نادرًا ما يتعرّض المرءُ لورمٍ في إحدى أعراض ورم الغدة الجار درقية، لكنّ التأثير الذي يُحدثه ورم الغدة الجار درقية على مستوى الكالسيوم في الدم، قد يمتدُّ إلى مختلف وظائف الجسم، مع خفاء الورم في كثيرٍ من الأحيان؛ لتواجد الغدد جارات الدرقية خلف الغدة الدرقية، ولصِغَر حجمها.
وهنا تكمُن أهميّة التعرّف على الأعراض، وكيف يُكشَف الورم بالفحوصات الطبية؛ للتفريق بينه وبين الأمراض الأُخرى ذات الأعراض المشابهة.
ما هي أورام الغدة الجار الدرقية؟
أورام الغدة الجار درقية هي أورامٌ حميدةٌ تنشأ في أيّ من الغدد الجار درقيّة الأربع، المتواجدة في الرقبة، مُلاصقة للغدة الدرقية، وتنتج أورام الغدة الجار درقية عن نموٍّ زائدٍ لخلايا الغدة.
إذ يُسبب الورم زيادة إفراز هرمون الغدة الجار درقية (PTH)، المسئول عن تنظيم مستوى الكالسيوم والفسفور في الجسم، مما يُسبب عددًا من المشكلات الصحيّة، نتعرّف على بعضها ضمن الأعراض.
أعراض ورم الغدة الجار درقية
تنتج أغلبها عن زيادة مستوى الكالسيوم في الدم، وفيما يلي أبرز تلك الأعراض:
اضطرابات الجهاز الهضمي: تُسبب زيادة نسبة الكالسيوم بطءًً في حركة الطعام داخل الأمعاء، مما يُعزِّز فُرص الإصابة بالإمساك كأحد أبرز أعراضها، ولكنّه وحده لا يكفى بالطبع للاشتباه في ورم الغدة، بالإضافة إلى ذلك، قد تشعر بالغثيان، وفقدان الشهيّة تجاه الطعام، نتيجة زيادة مستوى الكالسيوم في الدم.
الضعف والإجهاد: ترتبط زيادة مستوى الكالسيوم في الدم، بالتأثير على وظائف الأعصاب والعضلات، مما يجعل المريض في حالة شبه دائمة من الإجهاد والفتور.
كثرة التبول: تُحاول الكُلى جاهدةً تخليص الجسم من الكالسيوم الزائد في الدم، مما يجعل مريض ورم الغدة الجار درقية يرغب في التبوّل بمعدّل كبير يوميًّا، وقد يُسبب ذلك جفافًا للمريض، مع قِلّة شُرب الماء على مدار اليوم.
كثرة العطش: نظرًا لكثرة الماء الذي يفقده الجسم بسبب فرط التبوُّل، للتخلص من الكالسيوم الزائد، يُلاحَظ رغبة المرضى في شرب الماء باستمرار، مع الشعور الدائم بالعطش، وهو أحد أعراض ورم الغدة الجار درقية، التي ينبغي وضعها في الحسبان.
حصوات الكلى: يؤدي التركيز الكبير للكالسيوم في الدم إلى ترسُّب بلورات الكالسيوم في أنسجة الكُلى، مما قد يُسبب حصوات الكُلى، وجديرٌ بالذكر أن حصوات الكالسيوم هي الأكثر شيوعًا بين حصوات الكُلى كافّة.
هشاشة العظام: يساهم ورم الغدة الجار درقية على المدى البعيد في إصابتك بهشاشة العظام، إذ يعمل هرمون الغدة الجار درقية على نقل الكالسيوم من العظام إلى الدم، مما يُقلل الكثافة العظمية، ويجعلك عُرضةً لكسور العظام.
ألم العظام: يُعد ألم العظام أحد أهم أعراض ورم الغدة الجار درقية، إذ يزيد هرمون الغدة الجار درقية من نشاط الخلايا ناقضات العظم (Osteoclasts)، المسئولة عن ارتشاف العظام، وتقليل كثافتها، ويصحب نشاط تِلك الخلايا ألمٌ في العظام المُتأثِّرة.
اضطراب القلب والدورة الدموية: يرتبط ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم باضطرابٍ في نشاط عضلة القلب، بما في ذلك عدم انتظام ضربات القلب، وخفقان القلب، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم؛ نتيجة تأثُّر العضلات المُبطِّنة للشرايين بارتفاع مستوى الكالسيوم، وقد يتسرّب الكالسيوم على جُدُر الأوعية الدموية أيضًا، مُضَيِّقًا إياها.
ألم البطن: قد يترسّب الكالسيوم في البنكرياس، عند زيادة مستواه في الدم على مدىً طويل، ويُسبب ذلك ألمًا حادًّا في البطن، وهو أحد أعراض ورم الغدة الجار درقية الهامة.
اضطراب الوظائف العصبية:
تتضمّن أعراض ورم الغدة الجار درقية بعض الاضطرابات في وظائف الدماغ، وقد يشمل ذلك:
- الاكتئاب.
- الارتباك.
- ضعف التركيز.
- ضعف أو فقدان الذاكرة.
وليست أعراض ورم الغدة الجار درقيّة مقصورةً فقط على ما سبق، إذ تختلف حِدّة الأعراض من مريضٍ لآخر، وِفق حالته الصحيّة العامة، وطبيعة الورم لديه، ونظرًا لشيوع الأعراض المذكورة بين عددٍ كبيرٍ من الأمراض؛ نودّ التأكيد على ضرورة استشارة الطبيب حول الأعراض التي تشعر بها، وعمل الفحوصات التشخيصية التي يطلبها الطبيب.
متى يبدأ ظهور أعراض ورم الغدة الجار درقية؟
عادةً ما تكون الأعراض بطيئة الظهور، وتزداد تدريجيًّا مع تفاقم الورم، وزيادة النشاط الغُدِّي في إفراز هرمون PTH، وتتمثّل أولى الأعراض في التّعب والإجهاد، والإمساك، مع كثرة التبول، والحاجة إلى شرب الماء.
وفي معظم الأحوال، لا يلاحظ المرضى أيّ أعراضٍ تُنسَب إلى ورم الغدة الجار درقيّة، وإنما يُدركون إصابتهم بالورم مع إجراء الفحوصات الدورية، التي تكشف عن ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، إذ يختلف توقيت ظهور أعراض ورم الغدة الجار درقية، تبعًا لعدّة عوامل، منها:
- حجم الورم.
- مدى زيادة إفراز الغدة.
- حساسية الجسم تجاه هرمون الغدة الجار درقية.
- الحالة الصحية العامة للمريض، والعادات الغذائية.
ما مدى شيوع أورام الغدة الجار درقية؟
يصعب تحديد مدى شيوع أورام الغدة الجار درقية، فأغلب الحالات لا تُعانى أو تلاحظ أعراض ورم الغدة الجار درقية، وبالتالي ليس هناك داعٍ لها لاستشارة الطبيب، وتشخيص الإصابة بورم الغدة الجار درقية.
إلا أنّ فرط نشاط الغدة الجار درقية قد قدّرت بعض الدراسات مُعدّل انتشاره بثلاثين حالةٍ تقريبًا بين كل 100 ألف حالة، أي 0.03% تقريبًا، ويمثِّل فرط النشاط الناجم عن أورام الغدة الجار درقية 80-85% من مجموع الحالات.
كيف يمكن تشخيص مدى انتشار أورام الغدة الجار درقية؟
تُشخّص أورام الغدة الجار درقية اعتمادًا أعراض ورم الغدة الجار درقية، التي يشكو منها المريض، بجانب إجراء ما يلي:
فحوصات الدم
تُظهِر فحوصات الدم مستوى الكالسيوم في الدم، وعند ارتفاعه عن المعدل الطبيعي له؛ يُشتبه في إصابتك بورم الغدة الجار درقيّة.
تحليل البول
يفيد تحليل البول في معرفة تركيز الكالسيوم في البول، ويُعطي ذلك دلالة تأكيدية على زيادة مستوى الكالسيوم في الدم.
الفحوصات التصويرية
يُمكن تصوير الغدد الجار درقية بالموجات فوق الصوتية، أو الرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية، أو التصوير الومضاني للغدد الجار درقية؛ لمعرفة أي تغيُّر غير طبيعي في حجم وتركيب الغدد.
فحص كثافة العظام
تدل كثافة العظام على مدى نشاط ناقضات العظم، والتي يزداد نشاطها في بعض الحالات، منها ورم الغدة الجار درقية.
هل يتحول ورم الغدة الجار درقية إلى سرطان؟
عادةً ما يظل ورم الغدة الجار درقية حميدًا، حتى مع ازدياد ظهور أعراض ورم الغدة الجار درقية، إلّا أنّ حالاتٍ نادرة للغاية تحوّل لديها ورم الغدة الجار درقية إلى سرطان قد ينتشر في مختلف أنحاء الجسم، وتمثّل تلك الحالات نسبةً لا تعدو 1% من الحالات، ويُمكن تداركها بالكشف المبكر عن الورم، بمجرّد ظهور الأعراض.
هل يؤثر ورم الجار درقية على الغدة الدرقية؟
ليس هناك تأثيرٌ مباشرٌ معلوم، لأورام الغدة الجار درقية على خلايا الغدة الدرقية، فهُما – وإن تلاصَقا – عضوان مختلفان ضمن جهاز الغدد الصمّاء بالجسم، لكلٍّ منهما وظيفته.
غير أنّ ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، والتغيُّرات التي يُحدثها ذلك في مختلف وظائف الجسم، قد يرتبط بتأثّر نشاط الغدة الدرقية، فالكالسيوم أحد أهم العناصر الفاعلة بكافّة أنسجة الجسم تقريبًا، كما رجّحت دراسةٌ طبيّةٌ نُشِرَت عام 2021، وجود دور لأيونات الكالسيوم في تنظيم وظائف الغدة الدرقية، والتحكم في نشاطها، وأنّ الكالسيوم قد يؤثِّر على إفراز الهرمون المنشط للغدة الدرقية (TSH)، ليس ذلك فحسب، بل يُعتقد أن الكالسيوم عنصرٌ فاعلٌ في نشوء بعض أمراض الغدة الدرقية.
المصادر
